lundi 27 janvier 2020

متجولاً فى شوارعها وأزقتها محدقاً فى تلك الوجوه وتلك التفاصيل الغريبة التى تأخذ بعقلى وقلبى إلى عالم آخر، أبحث فى تلك التفاصيل وتلك الوجوه عن أبي وأمي أتامل تلك الأزقة والشوارع لأبحث فيها عن عنواناً لبيتي الذى لا أدري من فينا الذى أضاع الآخر!، لعل كلامي يكون مريباً ولكن لا تتعجب يا صديقي فتلك هى الغربة حيث كل ما هو غريب وعجيب وأيضاً كل ما هو مؤلم. في الغربة لا تستطيع أن تدعي أمتلاكك لشىء، البيت الذى تسكنه غداً تسكن غيره والمدينة التى أحببتها غداً تغادرها والأصدقاء الذين تعالت أصوات الضحك معهم تأتي أمواج الحياة لتفرقكم.

تعلمت في الكلية أن الاستقرار العاطفي والمكاني هما ميزان صحة الإنسان فإن للمغترب حياة وهو يعيش فوق الماء حيث لا أرض يابسة يضع عليها رجليه، في الغربة تشعر أن الوقت يمضى سريعاً ومعه تمضى الحياة وبينهما مشاعر مكبوته تكاد تصيبك بالاختناق، في الغربة خصصوا مكاناً لكل شىء إلا البكاء وباعوا كل شىء إلا العاطفة واخترعوا دواء لكل شىء إلا الحنين. فى الغربة أنت أعمى.. لعلك تتعجب يا صديقي القارىء من هذا الوصف ولكن إن كنت طالباً في كلية الطب ستعرف أن الأعمى يكون لديه قدرات خارقة تتجاوز المبصرين من حيث الشم والسمع واللمس، فى الغربة همس خفيف أو رائحة عطر أو ربما لمسة رقيقة قد تذهب بك إلى عالم آخر، لا تتعجب فأنا مجرد سماع أصوات عجلات شنطة سفر على بعد أمتار منى يصيبنى بنوبة اكتئاب لأن هذا الصوت يُذكرنى بالوطن الذى تركته ورحلت، رائحة عطر فى السوق تشبه عطر أمي قد تجعلنى أذرف الدموع رُغماً عني.